عام مر على رحيلك ؟!أماه ما أقسى الحياة بدونك ؛ إنها حياة خالية من معانى الدفء والحنان بل خالية من كل معانى الحياة . عام مر رأيت فيه الحياة بعين الطفل اليتيم الذى حرم من حنان أمه ،طفل تركته أمه وخلفت فى قلبه وحشة لا يؤنسها أحد من العالمين ، وفى عينيه ظلمة لا تبددها أشعة الشمس فى كبد النهار ولا الكواكب المتوهجة وفى حلقه مرارة لا تذيبها الضحكات وإن علت ولا تلطفها النسمات وإن علّت،وفى نفسه لوعه لا يهدأ من قسوتها كرّ الأيام والليالى ، وفى كيانه انكساررهيب دونه الموت الذوءام...أماه ما قيمة الحياة بدون أنفاسك الطاهرة التى انقطت فانقطع معها مداد الحياة ؟ما قيمة الحياة بدون نظرتك الحانية التى غابت فغابت معها شمس الأمل، ما قيمة الحياة بدون حضنك الدافئ الذى فُقد ففقدتْ معه الأحاسيس وتجمدت المشاعر ما قيمة الحياة وقد سكت لسانك فسكتت الحكمة وتاهت النصيحة ؟ كم هو قاس الموت- سبحان ربى- ، الموت الذى يحرمنا من ملح وجودنا ، نفتقد هذا الملح فنفقد معه القدرة على تذوق الحياه ويصير كل شئ مر المذاق ،
فاتر الطعم ، أماه أشعر بغربة فى الحياة تجتاح كيانى بعد رحيلك ، لكن مع كل هذه اللوعة والحرمان و الوحشة فإننى أعيش على أمل اللقاء ، لقائى بك فى الحياة الحقيقة التى فيها خلود بلا موت وراحة بلا شقاء لقاءٍ ارتمى فيه على صدرك استقى من ينابيع حنانك ، الحنان الغامر الذى أنسى معه ألم الفراق وأنهل من فيض أنسك ما يزيل عنى مرارة الوحشة ، ويملأ قلبى طمأنينة بعدما مُلئ خوفا ويسكب فى نفسى السكينة بعدما سكنها الخواء والأنين، آه يا أماه لوتعلمين كم أنا فى شوق للمسة من يدك الحانية تزيل عنى جفاف الحياة وتيبسها ، ومسحة منها على صدرى ترطب جوى حنينى ، لو تعلمين يا أماه كم أنا فى شوق لأن تعانق روحى روحك لتمنيتِ أمنية طالما كنت تفزعين منها فى الدنيا وهى أن تنعتق روحى من ضيق الدنيا ومحددويتها وقصور عقولنا فيها إلى رحابة الآخرة ولا محدودية إدراكنا فتتعانق الأرواح وتزول آثار محدودية الإدراك من ألم الفراق وقصور الحواس الذى يصنع حائلا بين ضيق الدنيا وسعة الآخرة.وحتى ينعم الله علينا بهذا اللقاء الأبدى أدعوه وهو الكريم أن يشملك برحمته التى وسعت الجن والأنس والجماد والحيوان وأن يعفو عنك بكرمه الذى لا يدانيه كرم وبفضله الذى لا يعادله فضل ، وأن يرحمك بكل لحظة حملتينى فيها وهناَ على وهن وبكل زفرة ألم تحملتيها لأخرج إلى هذا الدنيا وبكل دمعة من أجلى ذرفتيها وبكل لحظة سهرتى على راحتى فيها ، ارحمها اللهم بكل بكل قطرة لبن رضعتها وبكل لحظة هم من أجلى عاشتها وبكل دعوة من أجلى دعهتا ارحمها ربى فقد بخلتُ وأعطتْ ، ارحمها ربى فقد قطعت ووصلتْ ، ارحمها ربى فقد قصّرت وأوفتْ ارحمها ربى فقد أسأت وسامحت ارحمها ..ارحمها يا أرحم الراحمين
وإلى من له أم على ظهر الدنيا ، اعلم أن وجودها باب مفتوح للجنة فلا تفرط فى الولوج منه قبل أن يغلق ، فالزم قدميها فوالله ثمَّ الجنة .